الأربعاء، 26 فبراير 2014

آخر فرسان المعبد


إنتصف المساء..
بل وزادت عليه نصف ساعة رملية..
يقف في شرفته القرمزية..
ينظر إلى القمر القابع في كبد السماء..
يحرك نظره تجاه المعبد المزدان بأنواره الغنّاء..
تتعالى أصواتٌ بالغناء...
يقرر الذهاب إلى وسط المدينة..
يرتدي نعليه..
وبعض الثياب البالية القديمة..
لا لفقر مدقع بل لبساطة طباعه ، وأخلاقه الرزينة..
يرتدي وشاحه الأبيض الشهير في تلك الأوقات..
فكلها ساعات ويبدأ جولته الأخيرة في كل الحلبات..
يرى جاره يدخل مترنحاً لمنزله وفي يده غانية..
ألِأنَّ إمرأته كانت جارية،يمتطيها كل الرجال؟؟
أم لأن في طبعه الغدر؟؟
((أنّى لعاشق ولهان .. كانت قصته تُحكى بكل البلدان .. أن يخونها قبل ساعات من الفجر؟))
يكمل مسيرته الهادئة صوب المعبد القديم..
يلتقي بالحراس..
يخبروه أن المعبد يُجهَّز بكل الحماس..
"لا يمكنك الدخول الآن"
بنبرة يهتز لها الكل عدا صاحبها الجنرال..
"أيمكنني مداعبة بعض الرمال؟"
كتقليد يتبعه منذ عهد قديم بالقتال..
يداعبها بأنامله ثم يغادر...
دقت الطبول..
إرتدى ثيابه الحديدية..
وقف في منتصف الساحة الدائرية..
"فليحيا السيزر .. يحيا السيزر"
هتاف يدوّي في أرجاء المكان..
رفع رأسه لأعلى مكان..
"هذه آخر معاركي هاهنا .. فهل لي أن أتحدث في حضرة عظمتكم سيد هذا الزمان؟"
أشاح السيزر بيده وأشار برأسه كعلامة على قبول مقتضب..
"سيدي ، شهد هذا المعبد القديم صولات وجولات لي ولأسلافي من المحاربين .. زُهِقَت أرواح وأرواح .. ذَهَبَت هباءًا .. ما فائدة الموت إن لم يكن بلا شرف .. بلا رسالة أو سبيل صحيح .. ألم نكن نحن أسياد هذا الكون الفسيح؟"
السيزر مقاطعاً..
"أصمت!!"
تعالت الهمهمات .. في كل الجنبات..
"نحن محاربون .. فما بنا الآن فاعلون؟"
ينظر للغوغاء بحزم..
"لقد سئمت القتال بلا هوية"
السيزر:"أظن أن حياتك أصبحت منهية"
"سيدي السيزر ، وماذنب الأبناء والزوجات؟"
السيزر:"إنهم عبيد قيمتهم هي الفتات"
"إنهم أهل المدينة من كل الجنبات"
السيزر:"أَخرِجُوا عليه الأسود والغوغاء .. وإن نجى فليُعدَم هذ المساء"
"هذا هو آخر قتال .. إن مِت فحياتي قد ذهبت هباء"
تعالت الأصوات كالعادة .. بإسم فارسهم الأخير .. والسخط يملأ القلوب لظلم السيزر الحقير...
فاز بالمعركة .. لكنه لم ينجو من أيدي السيزر الساحقة..
صلبوه ؛ فجلدوه .. ولمفارقة الحياة أعدوه..
وقف السيزر بتحدي ، ينظر إليه نظرة متحدية
فحياته في نظره فانية..
"عِشتَ عمرك فارساً من فرسان المعبد .. ماتوا جميعاً وأصبحت أنت الفارس الأخير .. وتريد أن تصبح الفارس النبيل !!"
" الموت لمن تحدى السيزر أمام جموع الجماهير"
"فلتمت بلا زوجة أو طفل صغير"
نظرة رامقة .. إبتسامة واثقة..
صمت مطبق...
وهو يُساق في طريق الموت .. فر هارباً بعد الإطاحة بالحراس..
تسلل إلى بيت الكاهن الكبير..
"هل كنت مخطئاً؟"
الكاهن:"نعم يا عزيزي"
"ولكن لم؟!"
الكاهن:"هل تجد من الحق .. أن يأتيك رجل غريب فيطردك من بيتك لإعلاء شأنه دون وجه حق؟"
"لقد فهمت"
"ولكنْ. أيُّ حياة تلك ، أن يتقاتل المحاربون من أجل ضحكات المُغيَّبون؟"
الكاهن:"إرحل عن هنا صديقي .. فالمدينة أصبحت فانية والمعبد أصبح حطام .. منذ أن أمسى معتج بالزحام"
رحل عن البلاد .. ألقى بسيفه الجلّاد..
ذهب إلى الجوار .. خلف البحار والأنهار..
بلاد تحت الحصار..
إنها فعلة الأقدار..
"من أنت؟"
صوت يخترق السكون..
فيجيب بِرَدٍ مقتضب..
"عابر سبيل"
"هل أنت من مدينة المعبد القديم؟ تحدث ولا تخف"
"أنا كوميدوس .. فارسٌ من فرسان المعبد القديم .. مصارعٌ حزين .. فارٌ من بطش السيزر اللعين .. باحثٌ عن ذات تاهت تحت أنهار من الدم الذاهب بلا جدوى .. نادمٌ على عُمرٍ قد ضاع خلف حلم البلاد الممتدة الفسيحة .. قومي هم الغوغاء الباحثون عن متعةٍ زائلة وعن إستقرار زائف .. هاربٌ من صفتي وذاتي"
تزوج من إمرأة صالحة كان لها خير الرجال..
سقطت روما ، وعاشت بلاد ما وراء الأدغال..
تحطمت المدينة , وصارت مبانيها آثارٌ تُمَجّد..
وصار هو "آخر فرسان المعبد" ...

الخميس، 7 نوفمبر 2013

نهاية أسطورة المجهول

أيُّ رحلةٍ هذه !!
قد مرَّ عليها ألفيّ شروق ومثلهم من الغروب..
(( مشهد أول ))
إستيقَظتُ من نومٍ عميق..
سَافَرتُ عبرَ البلدان..
عَرفتُ آلاف الرجال, والنساء, والوِلدَان..
عُدتُ أدراج وطني من بلادٍ سحيقة..
أجهَلُها, وأنسى ما دار في كلِّ دقيقة..
أبحَثُ عن بيتي فلا أجِده, أنبِشُ خَلْفَ عُمرٍ ضاع فلا أُدرِكُه..
إستأجَرتُ بيتاً لا أعرِفُه..
حذَّروني منه, ولكن ما بَقيَ لي من عُمْرٍ كي أستَنزِفُه..
كان لي فيه صديقان, أجهَلهُما..
زياراتٌ من أُناسٍ قد رحَلوا عن عالمي..
أُناسٍ قد كانوا لي أقرَب من نَفسي ودمي..
صرخَةٌ مَكتومة من أَمامِ غُرفَة المنام..
أُنثى مُمَدَدة فَوق فِرَاشٍ من الأحزان..
رَاحِلَةٌ من عالمِ النسيان, إلى عالمِ الأوهام..
صَرْخَةٌ آتِيَةٌ من جِوَاري: "قتيلة!!"
وما باليَّدِ من حِيْلَة!!
الفَزَع .. يَجُوبُ أطرافَ المكان..
والدَهْشَةُ تَطْرِقُ أوصالي..
كَيفَ لِقَتيلَةٍ مجهُولَةٍ أن تَقتَحِم غُرفَتي دون إدرَاكي !!
قَتيلَةٌ مَجهُولَةٌ حتى - للغُربَاء - أصدقائي..
رَاحِلَةٌ مُنْذُ أيَّام..
أَنَّىَ لِقَتيلةٍ مُنذُ فِترَة بِجَسدٍ سَليمٍ كَهَذا ؟!
أهِيَ إنسيَّــةٍ أم ماذا ؟!
تَرَكت مسرح الجريمة..
أبحَثُ عن أدِلَّةٍ ذاتَ قِيمَة..
أوقاتٌ أليمَة..
أفكَارٌ بالية قديمة..

(( مشهد ثانٍ ))
إجتِمَاعٌ خَطير..
والجَمع اليَومَ غَفير..
مكانٌ مُغلَق, تُحيطُ نَوَافِذه الحَدَائق والأشجار..
لَحَظاتٌ قليلةٌ قَبلَ الإِنفِجار..
عَينٌ تَحمِلُ من الشَرِّ ما تَحمِلُه..
وأَيدٍ بِهَا من الخيرِ ما يُقاوِمُ شرَّ العَينِ فَتُعَادِلُه..
نَظَرتُ بِعَيني إلى الجُدرانِ..
فَتَحَرَّكَت بِدَاخِلِ المَكَان..
حالةٌ منَ الهَلإَعِ إجتاحَت القُلُوب..
والدَهشَة قَد إِعْتَلَت عيني لِتَخَبُّطهم في الدُروب..
لَوّحتُ بِيَديَّ في الهواء, فَعَادَت الجُدرَان أَدرَاجها بينَ الغُرفَةِ والفِناء..
فجأة !!!
إتَّسَعَت هُوَّة في مُنتَصَفِ المَكَان..
خَرَجَ مِنْها - مُثيراً للفَزَع - ثُعبَان..
أَهَذا دَربٌ من الأحلام !!!
أم إنّني غَارِقٌ في بَحرٍ من الأوهام!!
تستمرُّ حالة الهَلَع..
أَرى بَأُمِّ عيني إمرأة قد تَمَزَّقَ كتفها وإنخَلَع..
.. واختَفَى الثُعبان ..
حَالَةٌ من الترَّقُبِ تَجوبُ كل الأركان..
تَنبَثِقُ شَجَرَة مُخيفة من هُوَّةِ النِسيان..
تَدنُو بِجذورِها فَوقَ أرضيَّةِ المكان..
تَرفَعُها عالياً, ثُمَّ تَغرِزُها فَوقَ الأقدام..
تُحَوِّلَهُم إلى جذوعٍ تَلتَحِم بِشَجَرَةِ الشَيطَان..
نَتَقافَزُ أنا ومَن بَقِيَ من الجَمْعِ فوقَ جذورِها, مِن أجلِ فُرصَةٍ أُخرى نَحياها في عالَمِ الإِنسان..
نَدورُ حَولَها كالمتعبِّدين في مِحرابِ الحياة..
راغِبينَ في دُنيا تَعِيشُنا, ولا نَعِش منها سوى قَدْرٍ بِحَجمِ ذَرَّاتِ المياه..

(( مشهد ثالث ))
صَمتٌ مُطبِق خارج الغرفة المَلعُونَة..
لم أجد نَفسي - أخيراً - جُزءاً من تِلك اللحظات المَجنُونَة..
أُناسٌ يرتَدون حُللاً بيضاء..
وجوهٌ يشعّ مِنها الضِياء..
أَرَاني في الساحةِ الكَبيرة هادِئاً كَبُحَيرَةٍ لَم يَزُرها يَوماً مطرٌ لَم يَمُرّ بِها أَبَداً شِتاء..
أنطِقُ شهادةً عَلَى أيديهم, أُتْبِعُها بِركُوعٍ وسجود..
توَّقَفَت الشَجَرَة عن الدَوَرَانِ والصُعُود..
الآن .. والآن فَقَط زالت كُل الشُرور..
الآن فَقَط, قد عَرِفت من هيَ القَتيلة و تَوَّقَفَ عقلي عن الشُرُود..
تَوَّقَفَت عن التيهِ العُقول..
وانتَهَت أسطورة المَجهُول !!!



الجمعة، 11 نوفمبر 2011

ليلة شتاء دافئة




*حينما تتصارع زخات المطر في الهطول على جنبات الطريق المظلمة..

*كنت أتبسم من دفء صوت ارتطام قطرات المطر برصيف الطريق..

*تتصاعد موجة هادرة من البحر,تعلن عن ليلة شتاء صاخبة..

*لا يعاندها سوى دفء بعلاقة إنسانية نادرة..

*و لأنها نادرة فهي الآن حلم يتبخر تحت أشعة الشمس الساخرة..